من زمان


صارلي ما كتبت هون

ما عم بيخطرلي اشيا كتير مهمة اكتبها, او يمكن اللي صاير انو عم بتصيرلي اشيا كتير مهمة و ما بدي اقطع ع حالي فرصة اني اعيشها بأني اقعد اتأملها لأكتب عنها الا لما تخلص

زمان كنت افكر انو الكتابة مراية لعالمي, واني بعرف حالي احسن كلما تطلعت فيي من خلال الكلمات



ولكن: واضح انو مش عم يخلص شي الا ليبدا غيرو, زي اللي ناطر يخلص الشتا ليسكر شمسيته و يستعجل ليوصل ع شغله. بس الشتا مخليه يمشي ابطأ عشان ما يتزحلق, و بخلال هالتمشاية الاجبارية, بيعيد ترتيب العالم بكل تفاصيله من اول وجديد, متل ما ولا مرة كان شايفه من قبل



عنجد اشي رائع وفاخر و مذهل انو بعد شي ربع قرن يكتشف الواحد انو حياته كان ممكن تكون مفعمة بذات التفاصيل و الحماسة و البهجة


انا سعيدة بالغياب, عم بتعلم ع مهل كيف اصنع ومضتي الاكثر ابهاراً من ضربة برق و عم بحاول افلت خيوط اللعبة و ما اخلي حالي مشدودة دايما زي وتر القوس لما بيكون بأقصى تأهبه ليرمي السهم


عم بتراخى, حتى بإني اضل رافعة فوق راسي الشمسية


مبسوطة بالمطر, مبسوطة بالبلل, مبسوطة اني من زمان ما عدت تطلعت بمرايات ,وعم بعرف مين انا


بلا نسوية بلا رجالية

يضحك البعض حين انبههم و بكل جدية اني لا ارضى اتهامين: النسوية و الديموقراطية.
يعتقدون ربما اني أسحب كلامي من سلة المبالغات التي نهدف بإستخدامها الى التأكيد على أننا ضدها. و لكني فعلاً لست نسوية و لا ديموقراطية.
::

أما الديموقراطية, فقد أحكي عنها لاحقاً, اليوم في بالي ان اتناول "النسوية"هذه. وهي ليست نسويتي انا , فلست ادعي اني على ملة افكار لا افهمها.

إني أنثى. هذه اعرفها و اتعامل معها بمنتهى الطبيعية و التلقائية, فقد ولدت لأكون كذلك: اترقب دورة الحياة في جسدي و اعرف من تقلب مزاجي تغير ايقاعاتها. اعي تماماً ما يمكن لرائحة الجسد المتضوع بالخصوبة ان يفعل في انوف الذكور و ما يحركه في اشيائهم الاخرى. مدركة كيف يمكن جرح قلب بطرفة الرمش المكحول بالفتنة والدلع.

أنا أنثى. ما حاجتي لتبرير ذلك او للف و الدوران حول ما ولدت عليه؟لا أعرف.
ما أعرفه ان المسألة ليست في الاختيار, لأنه فعلياً ليس متاحاً. المسألة هي في تقبل هذه الحقيقة بما تتضمنه من خصائص بمميزاتها و سيئاتها, اذا امكننا ان نعتبره صحيحاً هذا التصنيف يعني.

بالمقابل, فأن هناك رجل او ذكر, لا تهمني التسمية فعلاً بقدر ما يهمني ان اقول ان هناك ذلك الاخر المختلف الذي _بحسب قوانين الطبيعة الفطرية_ يكملني و أكمله. هذا الاخر لا احقد عليه و لا احاسب شخوصه عن الظلم التاريخي الذي تعتبر النساء انه وقع عليهن. بل اسعى كذلك لتقبل حقيقة كينونته, كما احاول تقبل حقيقة ما اكون.

ليس في الامر اختياراً,بالنسبة لي على الاقل.هناك طبعاً مثليو الجنس الذين احترمهم و اعتبر حرية اختياراتهم الجنسية حرية شخصية كحرية العمل و المعتقد و التعبير (الا انها غير مصانة في الدستور اللبناني على ما اعلم).

لذا فالتعاطي في موضوع النسوية و الخوض فيه يسبب لي عادة نوعاً من البله, و هذه صفة انسانية تصيب البشر عموماً, ولكنها تصيبني بفداحة حين يُقارب هذا الموضوع تحديداً. فلست افهم_برغم اني و الله حاولت_ كيف يمكن لاستقلالية المرأة وعملها ان يتعارضا مع كونها نصفاً اساسياً (لا أخراً) في خلق و تربية و ترقية الجنس الانساني بعامة مثلاً؟

والانكى ان هناك مدارس و مذاهب في الدراسة و التحليل و التفكير تغوص و تمعن في الامر جدية و "وقاحة". ويهمل المتعصبون لهذا التوجه في التفكير ان ليس كل تقدمي بالضرورة متوافقاً مع ارائهم, ولا كل امرأة مستقلة تدافع عن حريتها الشخصية هي مؤيدة بالمطلق لما يذهبون اليه.

تنسى المطالبات و المطالبون بإحقاق الحقوق النسوية ان للرجال ايضاً حقوقاً مهدورة لا يجرؤن على المطالبة بها, لأن عصبة النسويين و النسويات ببساطة صادرت حقهم في مجرد التفكير بأنها مشروعة.

يغفل اولئك ان الرجل كذلك انسان, له الحق في ان يبكي, و يصرح بهواجسه الدفينة و يصرخ ألماً او شوقاً واحتياجاً. وحين ارفض فرزي المُعد سلفاً على حزب النسويين, فإني ارى انه ليس في ذلك اي قلة احترام للنساء, بل قمة المساواة في الاحترام للرجال معهن, خاصة و ان في بالي يمر هؤلاء الاصدقاء الرائعين الذين يأخذهم من الوقت كثيراً قبل ان يقرروا اتجريد "ضعفهم" أمامي كلصديقة يثقون بأنها لن تحاكمهم على إشهار مشاعراً و افكاراً تنهش وحدتهم المديدة مع انفسهم حيث ان الكلام عنها "عيب و لا يجوز", حتى مع امثالهم من الرجال (ألهذا تكون صداقات الجنسين أمتن من صداقات الجنس الواحد احياناً؟)

لأني اعرف ان في قلوبهم كذلك من الهشاشة ما يكفي ليعادل ما في مآقي النساء من دموع وما في قلوبهن من نبض, فإني اسأل:هل المرأة وحدها المغبونة؟ (وهذه حقيقة لا انكرها طبعاً في مجتمعات كثيرة). ألا يقع الرجال تحت انواع مختلفة من الغبن الاجتماعي و النفسي المعد لهم منذ الولادة بعضو يفرقهم عن اخواتهم في الجنس؟

نتوقع من الرجال القوة والجلد و الصبر و الكد والمسؤولية. (من الذي قال ان هذا هو الرجل الحقيقي؟) ولا تهبط على شخصياتهم هذه الخصال من السماء طبعاً, ولا ان تنزرع في خلاياهم كما الخصائص الجينية التي تحملها كروموسوماتهم. من ينشأهم عليها يا سادة يا كرام غير النساء؟

كيف إذن يمكنني ان اؤمن بمطالب من يعتبرن ان معاملتهن تتم بشكل دوني لتحيلهن على مرتبة تقل عن مرتبة الرجال في حين انهن هن من يربين هؤلاء الرجال ليعاملوهن بهذا الشكل؟

تمنح النساء رجال بيوتهن كل الحق في ان يتصرفوا على انهم ظل لله على الارض, ومع ذلك تشتكين من بطشه
وينسحب هذا التمييز على كل شؤون الحياة من التعليم و السفر و خيارات عيش الحياة اليومية, بدءاً من ساعة التأخر ليلاً وصولاً لحق اختيار الاصدقاء ناهيك عن الموضوع الجنسي الذي لم تزل بعض النساء يتجنبن الخوض فيه مع اولادهن و ازواجهن. و في النهاية, يأتيك من يطالب بحقوق منتقصة للنساء من نفس الرجال الذين ربوهن هن او امهاتهن او جداتهن بسهر لياليهن و قلق امومتهن الصادق على ما شبوا عليه!

لست نسوية لأني لا افهم كيف يمكن ان يكون الجنسين الشريكين في صنع الحياة وخلقها و ابقائها متربصان ببعض من ناحية جنسانية و اجتماعية بينما شرور الحروب لا تفرق بينهم في حمأة قصفها, ولا ظلم السياسات والايديولجيات يستثني منهم جنساً على حساب الاخر.

كلا الجنسين في النهاية انسان, وهذا وحده يُحمل النفس ما لا طاقة لاغلفتها من اجساد واهنة _مهما قويت و تجبرت_ على حمله. ان الظلم والموت و الكوارث لا تقيم وزناً لنضالات النساء ضد من منحوهن بأنفسهن حقوق ان يكونوا متسربلين بصفات لا يمتلكها سوى آلهة المثيولوجيا و الحكايات الخرافية.و لا تمكن الرجال كذلك من التمسك بمكتسبات وحظوات اجتماعية حصلوا عليها تاريخياً عبر سكوت النساء عنها و تمريرها بالتربية من جيل الى جيل.

وبما اني انثى تزهو بأنوثتها, ووتتوقع ان يباهي كل رجل كذلك برجولته(مع كل مركبات هذه الرجولة الصعبة), فإن مسألة التمييز الجندري غير موجودة في قاموسي الذي اترجم بكلماته افكاري. في افكاري هذه ارى ان الانسان قيمة اعظم و اهم و ابلغ من اي تصنيف.و النضالات الواجب الانخراط فيها بالنسبة لي لا نسوية ولا رجولية , بل هي انسانية باتجاه قيم الحق والخير والعدالة في مواجهة كل ظلم وطيش يرتكبه الانسان ضد اخيه الانسان.
::



تنديد و تهديد: اما لأولئك النسويين الغيوريين على صحة النفس البشرية من منظرهم الذي يصادر حقي في الاختلاف و التمايز عنهم, والمستغربين لغرابتي في تناول الموضوع, فإذا ما استمروا على منوال تعاطيهم معي من خلال وصمي باحد التهمتين اللتين افتتحت بهما اول جملة من تدوينتي هذه (وانا لا اطرح نفسي مناهضة للنسوية ولا حتى محايدة الا متى إتُهمت بها و الله), فلعلي اكون اول من تضع لبنة في حزب عالمي يطالب بحقوق الرجال في ان يظهروا انسانيتهم اكثر, وان يبكوا و يعشقوا و يخطئوا, تماماً كالنساء!





ماتت تبتسم

كما في الافلام: وقفت أمام المرآة , أمسكت بالمقص , "خرطت" خصلات شعرها الطويل وتركتها تنهمر مع دموعها على ارض الغرفة بينما كانوا ينادونها لتبدأ وليمة الغداء على شرف حضورها.

مسحت دموعها و تنفست بعمق. كانت تعرف ان ما ستقوله سيزلزل كيان الجميع و لكن لا طريقة سهلة لإشهار مثل هذه الأشياء بوجه اغلى و اقرب الناس :الأهل.

خرجت بهدوء, اول من رأتها ابنة أختها كثيرة الحركة و الكلام و صرخت" وينون صعراتك؟"

إلتفت الجميع اليها و هي تخطو بتمهل و خفة عروس الى غرفة الطعام حيث أصيب الجميع بوجوم الى ان صرخت امها" ولي شو عملتي بحالك؟"
وقبل ان يضيف اي فرد في الاسرة جديداً, مسحت بنظرتها وجوه الجميع ببالغ الحب, فشعروا ان ثمة ما يوجب عليهم الصمت و الاستماع فورا.

من فمها خرج صوت لا يشبه صوتها. شعرت كأن ثمة شخص آخر يتكلم من داخلها و يستعير حركات شفتيها فقط ليضيف التعبير الى الكلمات المحايدة التي قيلت.

هي الان لا تذكر حرفية ما سمعته يخرج من حنجرتها. اخبرتهم بهدوء انها تحبهم جداً, ولذلك فهي لا تريد ان تسبب لهم ألماً لا يُطاق برؤيتها تفقد نضارتها و حيويتها و شعرها شيئاً فشيئ . تذكر ان عيناها بدتا لها و كأنهما اكتسبتا قدرة سوبرمان على النظر من خلال الاشياء, و انها شعرت انها كصوفية انكشف عنها الحجاب و صارت ترى ما لا يُرى. ولكن حتى سوبرمان لم يكن يستطيع ان يرى المشاعر و الافكار, ولكنها هي, في تلك اللحظات البالغة الصفو, رأت.
و الصوت الغريب الذي اصدرته قال لهم ان الاشياء صارت في مرحلة أسرع من ان يلحق بها الطب مهما حاول. فحين اكتشف اطباء امريكا حيث انهت للتو دراستها و عادت منذ يومين " هداك المرض" (وهذا ما يقوله الناس في مدينتها عن السرطان لأنهم يتطيرون حتى من اسمه) كان وقت تدخلهم قد فات و انتهى.

_ليس لديهم ما يقدمونه لي سوى علاج كيميائي بغيض و مزعج سيحاولون من خلاله السيطرة على بعض مناطق انتشار المرض.انا لا اريد ان اتوجع و اود لو امضي بأقل الآلام الممكنة و اكثر الذكريات فرحاً و اشراقاً لكم و لي عن هذه الحياة العبثية و السخيفة حد المهزلة, ولكني اظن انه سيكون قراراً انانياً جداً اتخذه لنفسي.والان انا مستعدة_حتى كشكل بعد كل ما خسرته من وزن و شعر ايضاً_ للدخول الى اي مستشفى تريدون فيما لو طلبتم مني ذلك, لنجرب معاً اخر الحلول المحتملة لمد عمري شهور او ايام, وربما سنوات, من يدري؟ ولكن شيئاً لن يتغير في حقيقة ان الموت بات تحت جلدي, وان الاطباء لو حاصروه اليوم في مكان, سيطلع كعفريت علبة يفاجئنا ويفاجئهم من مكان اخر غداً ربما.

للآن تستطيع ان تسمع اضجيج النحيب و اختلاط الاصوات و البكاء وعدم التصديق.فوضاهم تلك وفرت عليها عناء تحريك شفتيها ليكمل الصوت نشرته الاخبارية التي قوامها خبر واحد هبط على رؤوس اهلها بقهر يفوق كل ما سمعوه من نشرات اخبار طويلة و مريرة في حياتهم. اختها الوحيدة وصلتها اولاً و أمسكتها بجنون و صارت تهزها بعنف لا تعرف من اين اتاها و تصرخ" وين؟ ليش؟ شو؟"
هي لم تجب بكلمة, فقدت قدرتها على النطق و التفكير. شعرت ان موتاً جزئياً حضر الان على شكل شلل بلع قدرتها على احتمال اثر ما قالته عليهم.

والدها الذي كان يظن انها عائدة لتكمل فرحتهم وفخرهم بها و انهياره بكاءً. أمها التي صارت تجعر كأنما وقع الفقد قد بدأ يقرع جدران قلبها منذ اللحظة. وباقي العائلة, فما عرفوا كذلك كيف يتصرفون: اعمام, عمات, اخوال و خالات. كانت وليمة لقائهم جميعاً و احتفائهم بها, فكيف صارت بروفة على العزاء الذي سيفتحونه عما قليل في قلوبهم قبل بيوتهم لها؟
::

في الايام التي تلت خطابها الذي سد نفس الجميع عن الاطايب التي تكومت على طاولتهم, أعاد مرحها بالذات وحبها لهم شهية عيش اللحظات الاخيرة معها الى اقصى حد. هي التي ساندتهم لتقبل غيابها الوشيك. فحين استعادت صوتها, جلست معهم تشرح لهم ببساطة شديدة وجهة نظرها " في النهاية كلنا سنموت, أليس كذلك؟ على الاقل لدي مهلة اعرف انها الاخيرة المتاحة لي لأفعل كل ما مر عمري و لم افعله. ارجوكم لا تفوتوها عليّ بين دموع و انهيارات و بكاء, سأموت كما كل البشر, و ستبكون انذاك بلا شك. فلنؤجل البكاء لوقتها, انا اعدكم اني سابكي فيما لو مسموح البكاء في المجهول الذي سأذهب اليه. أما الان, فخذوا مني و أعطوني اجمل الذكريات لتبتسموا حين أمر ببالكم بعد سنوات و ابادلكم انا من حيث سأكون الابتسام و الامتنان"
::

الآن, وهي معلقة بين الملاءات البيضاء كأنها تركب المرجوحة التي ستنقلها عما قريب الى عالم اخر لا تعرف عنه شيئاً, تبتسم لهم جميعاً. لقد كانوا أجمل الناس حقاً. احبوها للحظة الاخيرة بلا شروط سوى ان تفرح لاقصى حد بما بقي لها من ايام, مهما قصرت او طالت. لقد تفهموا عدم رغبتها في الموت ضعيفة و مجللة بالاحزان التي انفرط عقد اخفاءها مرات كثيرة, خاصة حين صار الفاليوم كأخبار الجزيرة "على مدار الساعة". لكنها كانت تضحك لهم, بكل هدوء وجمال ودلال ممكن لصبية تعرف ان كلمة النهاية جاهزة و ان انزال الستار هو مسألة ترتيب قدري او إلهي لا تستجوبه ولا تفهمه, ولكنها بشكل ما ممتنة له انه اتاح لها فرصة معرفة ما لها فيهم وما لهم فيها "أهلاً و اصدقاءً" من الحب و الاحترام.

الان, ترسل تنهيداتها الاخيرة وتشعر بأن حضورهم البهي في روحها يملئها تماماً. لقد عبأت قلبها بكثير من الحب الذي تأخر بعضه ليُعلن بكل هذا الجلال. و هي كذلك بصمت ايامهم بذكريات لن تنمحي بسهولة.
وعما قليل, حين تغمض عيونها الى الابد, سيكون لها ما ارادت. بكاء وحزن عميق سينقضي عما قريب و مع الوقت.ومع الوقت ايضاً ستنبت الابتسامات التي زرعوها على مدى العمر معاً كلما مرت ببالهم و حكوا عنها لمن سيأتي و لن يعرفها من العائلة و اولاد الاصدقاء الذين تترك منهم الحوامل والذين يخططون للانجاب, كما صورها على حيطان البيوت و ذاكرة الاماكن.

قبل ان تسمح لنفسها بأن تذهب, شكرت "هداك المرض" حقاً. فلولاه, لربما ما حظيت بفرصة ان تعيش اخر ايامها كما اشتهت.
لا حصر لما مر ببالها من اشياء في تلك اللحظة الاخيرة, ولكنها بلا شك ابتسمت, فقد وضبت بعناية ما ستحمل معها الذاكرة التي تشتهي حقاً, ثم ستموت.

لكنك اخترت

بعد أن تُمضي معي ليلاً بطوله,
تسألني كيف أحيا هنا من دون أن توجد..
خزيان, كأن سمكةً مسعورةً تتنفس رملاً ظامئاً..
باح البكاء عليك: لكنك اخترت... !
من رباعيات جلال الدين الرومي

مجزرة

استعيد التاريخ المعمد بالدم
تطلع من ذاكرتي طفلة فجعتها الاهوال التي انطوت عليها اخبار المجزرة.
اخذت الجريدة بعدهم جميعاً, اختلت بنفسها و صورهم و بدأت نحيباً لا تعرف لو انقطع لحظة.
واليوم, بعد 13 عاماً_اوه لقد مرت حقاً الاعوام تلك كلها!_13 عاماً, ولم تزل كلمة "مجزرة" تخلخل عالمها و تهزه.

واليوم, تكتب كلمة المجزرة و تتهجأها حرفاً حرفاً , فلا تسمع لها تلك الاصوات الرهيبة التي رافقتها عام 1996.
ففي ذلك العام كان للمجزرة شكل طيارات الاباتشي و كان لها مواقع عدة. لم تفهم يوماً كيف للمجزرة ان تكون واحدة و عديدة هكذا, وفي نفس التوقيت!
كان لها صوت انفجار مباغت و رائحة الدم و البارود و اللحم المتفحم, ولها طعم الحزن الغاضب يقبض على الروح و يمسك بأسفل الظهر كعقرب يبث في الجسد سمومه الكثيرة.
::

وهي الان اذ تطبع كلمة "مجزرة" ,تشعر بالرهبة و تترقب طنين الخبر العاجل على الراديو و تفكر بأنهم سيقولون "مجزرة اسرائيلية في قانا "
للحظة اعتقدت ان المراسلين على خطأ, فالمجزرة في النبطية الفوقا كما تبشروا من اخبار الصبح القريبة. ولكن الارقام تتوالى و تؤكد"قانا"

قانا اذن؟ لم يخطئ المراسلون, اسرائيل قالت لاحقاً انها اخطأت.

بالنتيجة لا فرق بين من اخطأ ومن لم: لا شيء سيمحو من الذاكرة وقع المجزرة.وليس ما قد يعيدهم من ذلك الموت الرهيب, والنسيان الاصعب.
::

كان الربيع, وكان نيسان جميلاً كقمر جنوبي يكبر على الجبل.
كبرت المجزرة منذ ذاك النيسان حداً لم تعد تنفع معه محاولات القياس و العد.
لقد ابتلعتنا المجزرة.
انا وهي و كل من سمع و احترق بلفح فحيحها الرهيب.

::
اكبر عن ذلك الوجع. اعيد الطفلة الى سجن الذاكرة.
و أعود الى حاضري, افكر مجدداً بنور العابد, لربما كانت ستبلغ الدرجة الاصعب من تقبل انوثتها هذا العام و تبدأ بالقلق حول منظر جسدها الملفوف جيداً في الأقمشة و الرغبات.
افكر بإسراء, لا شك كبرت و صارت صبية تشهد على رداءة عالمنا الذي يغاضى عن جراحها, واعتبرها "تحصيل حاصل" لضربات اسرائيل المتلاحقة على ذاكرتنا والغد.
اريد ان لا افكر بعد, الاسماء اكثر من ان افكر في حياة كل من كانت لهم.
والربما حرف العلة و الوجع والندم.

فهم رحلوا, وما عدت اقدر حقاً ان استوعب معنى لتكرار التفكير و النبش في قبور و تفاصيل فارغة منهم هم, اصحابها الوحيدين الذين لا نستحقهم نحن الذين بقينا على قيد الحياة.
::
الطفلة لم تكبر كثيراً ,ولا هم : لقد بقيوا عند نفس اللحظة الرهيبة تلك.

لوحدها كبرت المجزرة.
كبرت كثيراً المجزرة و صار لها في قانا اخت اصغر كتوأم. وتوزعت قرى اخرى باقي ملامحها ولم يزل ارثها مشرعاً برسم الاحقاد الاتية.
كبرت حتى صارت علماً وعنواناً و فصلاً من فصول هذا العمر الرهيب.

صار عمر المجزرة 13 سنة.

كل عام و انتم اكثر صمتاُ في الذاكرة يا ضحاياها: من رحل منكم و من بقوا احياء



قلبي معكم و سلامي لكم يا أهل الارض المحتلة

كأننا عشرون مستحيل

في اللد , والرملة , والجليل هنا ..

على صدوركم , باقون كالجدار

وفي حلوقكم كقطعة الزجاج , كالصبار

وفي عيونكم زوبعة من نار هنا ..

على صدوركم , باقون كالجدار

جدل

لا اخاف شيئاً
لا اريد شيئاً
لا اتوقع شيئاً
لا ارغب شيئاً
لا اشتهي شيئاً

هل هذا اقصى الموت, او الحرية؟

I have a dream



لأول مرة ع البلوغ شي بالانكليزي, لأنو المزاج رواق و الاحلام العالية عم تتحقق و هالفرقة باغنتيهم هيدي تحديدا هني الموسيقى المصاحبة لحياتي هالفترة

احلامي و احلامكم و احلام الناس بتبدا بقلب عم يرتعش لفكرة, و بس تصير حقيقة بتكون فرحة, اجمل فرحة

اناعم بحلم, و بتمنى كل الدنيا تحلم و تلاقي احلامها افراح حقيقية

وهمسة حلم: احلموا بقوة و بقلب قوي وآمنوا انو احلامكم رهن قوة قلبكم ع تحملها و الاستمرار بالثقة انها بتتحقق
وبتتحقق, عنجد بتتحقق و بيصير العمر اغلا و احلا



I believe in angels
Something good in everything I see
I have a dream

اسئلة كوابيس واقعية , جداً

لا اشاهد التلفزيون مؤخراً, لا هرباً من بشاعة ما يعرض من صور للاشلاء التي تبقت من جثث مزقتها اكثر الاسلحة تطوراً وذكاءً في عالم اليوم الحر. ولكن لأني فعلاً متخمة من مشاهد الموت العبثي التي عايشتها رؤى العين و مزق الروح التي تتشظى لتصير نجوماً من دموع في ليالي هذا العمر الطويل في الحصارات.

ولكن التطور التكنولوجي يأبى ان يعتقني من ما لا اريده , تصلني صور لاطفال بادمغة متفجرة, لعيون مفقوءة, لاذرع مبتورة وارجل متطايرة عبر الايميل.
وحين احظى بنعمة\نقمة الاتصال ببعض من اعرف في ذلك القطاع الملعون ,اسمع اصواتهم المبحوحة من اثر الفوسفور وسعالهم من اختناقاتهم المتكررة بغازات لا يعرفون لها اسماً ولا وصفاً.

اتجلد على دمعي و احاول ان لا ابكي كي لا افقد معنويات احتاجها و يحتاجونها هم مني ليتقووا بها , ولو للحظة, ازاء كل الجنون المستعر حولهم. انجح قليلاً في كي وعيي بتلك الادعاءات ان ليس ثمة جديد في كل ما يحدث, اقول لنفسي بهمس او بصوت يعلو على كل صوت كل تكسر اخر في دمي "طول عمرك هيك يا اسرائيل". ولكن وعي ضميري يكوي احلامي برؤاهم يطوفون في احلامي فتنصبغ بلون دمهم و تصير حلقات ليلية من مسلسل جهنم الطويل الذي يعيشون فيه.

استعيد كل تفاصيل الموت الذي يزنر ايامي في ليالي الطويلة. اتقلب على وقع وجوههم تهطل من ذاكرتي الى نومي فتؤرقه و تجعلني اهب متعرقة وباكية بدموع لا اشعرها الا وقد خنقتني.

ثمة وجوه ومشاهد استعيدها و تأتيني في مناماتي منذ ايام طفولتي, صور لوجوه اطفال قتلتهم اسرائيل على وعيي ولم يزالوا هناك في الذاكرة القريبة و البعيدة التي اريد بشدة لو ينمحي منها بعض القليل كي استطيع الى التوازن سبيلاً.
تأتي صورة نور العابد ذات الايام الاربعة التي ذبحوها بصاروخ و اسرتها في عدوان عناقيد الغضب يوم 18 نيسان 1996. تسألني عن العالم: كيف كان ليكون في عينيها لو لم تزل حية؟ افيق وامسك رأسي اهزه اريد ان اطرد منه صورتها لأني لا استطيع تحمل مسائلتها الصعبة.وابكي , ابكي حد تمني الاختناق والموت طلباً لراحة لا تؤمنها هذه الحياة.

يا نور, يا هذه الصبية التي كان يمكن لها ان تكون اليوم على اعتاب مراهقة جميلة, العالم اسوأ بدونك. اسوأ ربما لأنه بدونك وبدون رفاقك الذين غادورنا صغاراً لنكبر نحن على دمهم و لا نفيهم حقه و قيمته.

ارى لؤي صبح بعينين جميلتين لم اعرف بهما قبلاً, وانا و العالم لم نكن لنعرفه اسماً و لا قصة و لا خبراً عاجلاً لو لم تفقأ اسرائيل عينيه بقنابلها الفوسفورية. اراه يسألني عن احساسي بالالوان و يشرح لي كيف خطرت له فكرة الاحساس باللون "ايام ما كنت اعمى", فأبكي حتى اكاد افقد نور عيوني لأمنحه لحظة يرى فيها البحر مرة اخرى, او وجه حبيبة لن يراها الا بحواسه حين يكبر, لو وفرته اسرائيل في حربها القادمة.

اسمعهم بلهجاتهم : محمد يمط الاحرف كما الغزازوة الذي مارس لجوءه بينهم, مريم تحكي بلبنانية جنوبية صرفة ثم تضحك ويروح مني وجهها يختبئ في حقول التبغ الممتدة كوشم على خصر قريتها.

اريد ان ابقيهم فيي اكثر, وان ابقى نائمة , ولكني اصحو. جسدي لا يريد ان يصدق حلمي. يدفعني للصحو بارتجافه وتعرقه.

وكل ليلة حين يخذلني جسدي و يؤرقني الضمير , تغتال ايامي الاسئلة الكبيرة: ما الذي افعله هنا؟ ما الذي فعلناه لهم و بهم؟ هل قمنا بواجبنا كي نمنع الموت القادم؟ ما هو واجبنا ازاء الاجيال القادمة كي لا يموت اطفالهم واطفالنا بينهم؟
في احلك لحظاتي, اتصور لو لي اطفالاً تلاحق القذيفة احلامهم و ترديهم في حضني كما امهات بلادي يثكلن اغلى ما لديهن على مرآهم. تميتني الخاطرة. انتقل الى اسئلة وجودية اكثر شخصية و عمقاً: هل اريد ان انجب اطفالاً الى هذا العالم القمئ؟ كيف اربيهم و على ماذا سيكبرون؟ اي قيم و اي ذكريات ستثقلون بها؟

::


في الصباحات التي اقوم فيها الى ايامي متثاقلة لا ادري سبباً لمواصلة عيشها, سأسمع عبارات التفجع ممن سيشرب "كوكا كولا" تطفئ ظمأه تالياً . سيقرقش احدهم كيت كات من نستلة و يحاججني في مشروعية المقاطعة, وسيسوق الى زبائن ستاربكس اسبابهم المنطقية كي يقنعوني بعبثية ما افعله بأن امنع نفسي عن قهوتهم البالغة اللذة. وسيقول قائل ان الفلسطينين "جابوا الديب لبيتهم" حين انقسموا حول قضيتهم.

في تظاهرة او اعتصام او نشاط دعم, سيغيب الجميع اي موقف سياسي, لن يجرؤ احد على اشهار موقف حقيقي من الاشياء, سيدعون على اسرائيل و يدعون بالهداية على من خذلهم من الفلسطينين.
اكز على قلبي وعلى غضبي و اكاد اقول اهل مكة ادرى بشعابها, ولكني اعرف ان الموضوع ليس مكة و لا قريشاً, بل هو وجود كل منا وفينا كبشر ولدنا بالخطأ الجغرافي او القدر التاريخي في هذه البقعة الملعونة من الدنيا.

احياناً اسكت و احياناً انفجر غضباً, يؤاخذني "العقلاء" لأني متأثرة بما يحدث ويشفقون على تأثري, غداً سيلتهون هم بأخبار اخرى, وقد يرضون ضمائرهم كي لا تخزهم بنوبات الذنب من خلال تبرع مادي لن يؤثر على ايامهم بشئ او بصرخة غضب يطلقونها مع هتافات الشجب و الادانة و الاستنكار ثم يعدون الى يومياتهم التي ينسون فيها ذكر فلسطين. اما انا,فستضاف الى ذاكرتي اسماء ملامح اخرى تثقلها بالقصص الجديدة. وحين تبدأ حلقة جديدة من مسلسل الاعتداءات المتواصلة على شعبي بعد قليل, بعد عام او عامين وجيل, سيكون لكوابيسي وجوه اخرى.

مطالب محقة و ضرورية

بلا غضب بلا عجز بلا يأس عربي و قومي: ما بيحك جلد فلسطين الا ظفر مقاومتها

وعليه, وعلى خطى زولا "اني اتهم", اني اطالب كل فلسطيني ولادة و انتماء:

1- العمل على حل سلطة اوسلو الخائنة واقامة المحاكمات الميدانية لكل من شارك في سرقة حق شعبنا في علم و دواء وحياة كريمة من رموزها العميلة, وكذلك محاسبة كل من جر الهول على الوحدة الوطنية موقفاً و بندقية

2-خلق قيادة وطنية موحدة من جميع اطياف شعبنا في الضفة لتبدأ وصل ما نقطع مع غزة وتبدأ انتفاضة ثالثة تستفيد من تجارب الانتفاضتين السابقتين

3- رفض ورفس جميع الاتفاقات مع العدو الصهيوني بداء من اوسلو وصولاً الى ما قد يطرح قبل ان يتوازن الوضع الميداني مع الوضع السياسي

4-التوقف عن الندب و اللطم و التفكير بآليات نضال خلاقة مدنية تساند اي نضال عسكري ضروري ومطلوب كما دوماً مع هذا العدو الخبيث
5-ان نخرى جميعاً على المجتمع الدولية و الشرعية الدولية و القانون الدولي و كل ما يبدأ بحرف الدولي لأنه يعني دوماً دول تتأمر على دم شعبنا
6- ان يتمالك البعض انفسهم من الضحك على مقترحاتي اعلاه لأنها قد لا تكون واقعية تماماً و لكنها اخلاقية تماماً وهي من صلب ما يميله الضمير والحق و الانسانية

ودمتم جماهيراً وفية للنضال الانترنتي_يعني فيما لو ما عندكم قدرة تعملو غير شي_ اما انا, فذاهبة الى نضالاتي الواقعية , جداً
ودامت غزة"ام العزة" مورداً خصباً للتدوينات و الغضب و الهبل العربي الرسمي و الشعبي